![]() |
#1 | |||
|
![]()
طعم الغربة منذ اللحظة التي حطت فيها قدماه أرض الغربة، وبلدُه يسكن في رأسه صداعاً لا ينتهي، منذ تلك اللحظة، تحوَّل إلى حديقة من الشوق، بينما تجردت حياته من كل طعم ولون إلا طعم المرارة ولون الكآبة. قبل أن ينتهي اليوم الأول، أشعلت الغربة في أعماقه كلَّ المرايا، أجهش قلبه بالنزف، وخفق بإيقاع حنين؛ فلا الزوجة ولا الأولاد، لا أحد منهم بارَحَه منذ أن ودَّعهم، وظل يشعر بأنه يغيب عنهم كما غاب نجم في السماء تعج بالكواكب؛ ولأنه يسبح دائماً في عالمهم بدا كمن تشرَّد في الأرض يبحث عما يطفئ سعير قلبه. يرجع مساءً إلى مسكنه، ويطوف في غرفته التي تبدو واسعةً كأنها تحولت إلى صحراء، يطوف مثل الشبح، وشعور بالمرارة يغور في أعماقه، يشي باختناق قريب؛ فكلما جاء الليل - يا لذلك الليل الطويل! - يبدو له ليلاً مطبقاً، ليلاً ممعناً بالكتمان، ليلاً أجرد يشبه ليل الأموات. وكثيراً ما كان يحاول أن يشعل في محيطات الكلام أرخبيلاً، ولكن في كل مرة مركب الكلام يتفكك، فيعوم قبل أن يغرق. يجلس مسترخياً ورأسه مدَّلى في أبد الصمت. آهٍ من رأسه... لم يكن غير جمجمة مثقلة بالأسى... يتناول طعامه دون شهية... يقلب صفحات الجريدة، لكنه هذه المرة تاه بين أعمدتها وعناوينها، ونفذ من بين سطورها إلى عالمه البعيد. فجأة شعر بشيء من الراحة عندما رنَّ الهاتف وسمع صوت طفله الصغير يشدو لسعادته الهاربة، لأيامه المنكسرة، لصقيع جسده الباحث عن الدفء، لغربته القاتلة... وراح يتيه في لوحة عائلته الصغيرة، التي ابتدعها خياله، فرأى زوجته ترسل إليه نظرة عبر عينيها السوداوين اللتين خيِّل إليه أنهما تُشعَّان حرارة وتحتضن طفليه، تغني لهما، وتربِّت على كتفيهما، ثم رآها تتقدم نحوه وهي تقول بصوت هامس حنون: (يا أيها الطافح من هناك شوقاً، منذ أن غبت والبيت أصبح فراغاً، والعالم فراغاً، وأصبحت الدنيا خاوية، والفراغ هائلاً، مارداً، والصمت رهيباً كئيباً... آهٍ كم الحياة قاسية وهي تغرق بركام من الهموم! تعال واغمسني في حبك، ذوبني في نبضات قلبك، خبئني في دفء صدرك، تعال وطهرني من عفن البِعاد المر، تعال لتسمع خفقات قلبي، فقد استولت عليَّ رغبة وحشية قاتلة جعلتني أحترق في جحيم الوحدة والانتظار). فجأة صارت يداه منديلاً: (خذي قلبي أغصان زيتون يا حبيبة!). نهض من مكانه وكأنه يريد احتضانها، لكنه اصطدم بحافة السرير، فكاد الإنسان بداخله يحتضر والجسد يستقل رويداً عن ملامح الروح والأفكار. منذ أن غادرهم وهو يعيش اليومَ بسَنَة، ويأرق من الصباح إلى الصباح، في دمه شوق وفي بعضه وجع؛ فقد أدمن الراحة وعاش معهم كالنحل في قرص العسل... هناك زرع نبتة روحه، وهنا تنام نفسه في كهوف الصمت. هناك كان الحارسَ والمحروس، وهنا الروح كبَّلها الأسى، والقلب فاض به الحنين، وأصبحت حياته حافلة بالظلام وغدا غريباً تائهاً لا يتبين شرقَه من غربِه، ليلَه من نهاره، من لوعة الوحدة والهجران، فلا شيء يفعله عندما يعود إلى مسكنه غير أن يجلس في ربوة السكون، ثم تبدأ الأفكار تحز رأسه بطريقة مؤلمة. انبثقت شمس يوم جديد، إنه صباح لا يختلف عن غيره من الصباحات البائسة، استيقظ مع انفصال عسير يدب داخل كيانه، كانت نفسه كنهر شق السيلُ مجراه وبعثرته الريح وسط الأودية، ارتدى ثيابه على مهل وهمَّ بالخروج إلى عمله، ولكنَّ معاناته الداخلية طافت على السطح من جديد، فعاد مرة أخرى إلى السرير، وبتفكير لم يَدُم أكثر من دقائق، ثم جمع أغراضه المبعثرة وهو يهمس: لأنني تذوقت طعم الغربة، وأصبحت سيد الحزن والصمت، سأشد أشرعة الحنين وأشق البحر وأعود؛ فالقلب صار صفواً من الإصغاء للتوتر الحزين، ولم يبقَ من جمر الإرادة غير رماده، سأعود فهذا العمر دونكم غابات ثلج، وطقوس شتاء، إن انتمائي لن يكون إلا لكم ولآفاق سعادتكم، ولو خُيِّرت أن أملك العالم دونكم فلن أرضى، سأعود إليكم وسأغمركم بنور الاشتياق قبل أن يضمحل رأسي ويغرق قلبي في غابة العثرات مرتقباً جنون الصمت. المصدر: منتديات خجلي - من قسم: قصص - قصص قصيره - روايات - قصص واقعية - روايات طويلة |
|||
![]() |
![]() |
#2 |
|
![]()
ما أشد الغربة .. بل ما اقساها
إن طالت بهم وإن قصرت مادامت تحمل مفهوم الغربة نفتقدهم وننتضرهم بشوق تمر الثواني والدقائق والساعات والأشهر والسنين بصعوبة قد أبتعد عن وطنه وفارق الأرض التي نشأ فيها نام على جمرة يتجرع منها ألم الغربة يرسم أبتسامة وهو ليس بسعيد يضحك والفرح من قاموسه محذوف ومثل القصه اللي ذكرتها اخووي حموود بطلها ماتحمل الغربه وشوقه لاهله بالرغم من انه لم يمكث سوى القليل...كل الشكر لك ..دمت مبدع |
![]() |
![]() |
#3 | |
|
![]()
اقتباس:
سعيد بتواجدك اختي مشتاقة وشكرا للمداخلة الجميلة والتعليق الرائع
الله لايحرمني من مرورك الطيب |
|
![]() |
![]() |
#4 |
|
![]()
|
![]() |
![]() |
#5 |
|
![]()
فكلما جاء الليل - يا لذلك الليل الطويل! - يبدو له ليلاً مطبقاً، ليلاً ممعناً بالكتمان، ليلاً أجرد يشبه ليل الأموات.
قصة نقلتني للحظات إلى الزمن البعيد...زمن المحبة التي تشبه الخيال الشوووق بهذا الكم ..تدفق المشاعر,,اللهفة,,الصدق قصة من روائع الاشتياق والحنين قصة لاينتقيها إلا إحساس مبدددددع وذوق متمييييييييييييز دمت مبددددددددددددعا أخوي حمود.. |
![]() |
![]() |
#6 | |
|
![]()
اقتباس:
اميرة بكلمتي مرورك شرفني واسعدني ياالغلا نورتي موضوعي وصفحتي وسعيد بانضمامك |
|
![]() |
![]() |
#7 | |
|
![]()
اقتباس:
اخيتي الرائعة والمبدعة انشودة المطر مااسعدني بتواجدك في متصفحي الحرمني الله من طلتك الحلوة وتعليقاتك المميزة |
|
![]() |
![]() |
#8 |
|
![]()
مهما جنى الأنسان فى الغربة من أموال .. لم تعوضه دقيقة واحدة عن فراق الأسرة والأهل والأحبة ...
حمود ,, خجلي مشارك ,, ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() أخى العزيز الفاضل المحترمة الكريم الغالى/// حمود تحية طيبة كل الشكر والتقدير والأحترام لك تسلم يداك الطاهرة الكرسمة سلمت أناملك الشريفة النبيلة جزاك الله خيرا بارك الله فيك ومتعك بالصحة والعافية </B></I> |
![]() |
![]() |
#9 | |
|
![]()
اقتباس:
اخي فواااااااااااااز يسعدني ويشرفني تواجدك بمتصفحي ياغالي
|
|
![]() |
![]() |
#10 |
|
![]()
مشكوور اخي على الطرح
سلمت يدااك |
![]() |
![]() |
#11 |
|
![]()
العفو اختي لؤلؤة المحيط سعدت كثيرا بوجود بصمتك الرائعة في متصفحي المتواضع لاعدمت هذا التواجد وهذه الاطلالة الحلوة |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
ياعسى الإيامَ و الغربة من جروحك تداويني | أكششخ مهاأيطهـ | مسنجر - ماسنجر - توبيكات - توبكات - صور ماسنجر - ثيمات ماسنجر | 5 | 15 - 11 - 2011 11:52 PM |
التسوق باستخدام السلة أسوأ للصحة من التسوق باستخدام العربة | محمد الحربي | صحة - طب بديل - اعشاب - تغذية - رجيم - نصائح طبيه | 1 | 20 - 8 - 2011 11:25 PM |